السبت، 14 مايو 2011

مصريون ليسوا بالخارج

مصر ليست بلداً نعيش فيه وإنما هى وطنٌ يعيشُ فينا


عندما يحط المواطن المصرى بقدمه لأول مرة فى مطار بالخارج يكون أول سؤال يسأله لنفسه "متى العودة للوطن؟" هذا حال الغالبية الكاسحة للعمالة المصرية الموجودة بالخارج وخاصة دول الخليج، فهم يختلفون عن غيرهم من الجنسيات الأخرى فى هذا الشأن ولعل هذا ما ينعكس على سلوك المواطن المصرى ونمط حياته فى الغربة فما من مالٍ ينفقه إلا وسأل نفسه هل ينبغى أن أصرف هذا المبلغ أم أقوم بتحويله إلى بلدى (أنا هنا لا أدعى الوطنية المفرطة لهؤلاء الصنف من البشر وإن كانت بالفعل موجودة)  وهذا ما أدى بالأرقام إلى أن تحويلات المصريين من الخارج هى المصدر الثانى للعملة الصعبة للبلاد متقدمةً على عائدات التصدير !!

البدائل الإدخارية الأخرى المتاحة للمقيمين بالخارج كثيرة وأكثر أماناً من تحويل أموالهم لمصر، فسوق الخليج المستقر والمتصاعد يعطى أريحية للإستثمار فيه أو الإكتتاب فى سوق المال به، إيداعات البنوك الخليجية لها مردوداً جيداً من الأرباح، كما أن الموافقة للأجانب على تملك الشقق يمكن له أن يكون استثماراً جيدا للمغترب المصري أن يتملك عقاراً تزداد قيمته السوقية مع الزمن وفى نفس الوقت توفر قيمة الإيجار الذى غالباً ما يبتلع النسبة الكبرى من دخله. 
ليس هذا فحسب بل حتى المركبة التى يشتريها المواطن المصرى غالباً ما تكون بغرض شحنها فى آخر الامر لبلده وهذا ما يجعل اختياراته محدودة من حيث الموديل وحجم السيارة ومواصفاتها التى قد تتناسب مع مصر أكثر مما تتناسب مع البلد المقيم فيها!!!

ليست التحويلات النقدية هى المكسب الوحيد من المصريين العاملين بالخارج ولكن هناك مكاسب أخرى مباشرة وغير مباشرة تأتى بالنفع على مصر، فعلى سبيل المثال الهجرة المؤقتة لملايين المصريين تعد تخفيفاً لحمل الكثافة السكانية التى تخنق بالبلاد، فالمغترب المصرى ذو الكفاءة المهنية العالية يوفر وظيفة فى السوق المصرى لمواطن آخر أو على الأقل يقلل نسبة البطالة، كما أنه يوفر كرسي فى المواصلات وسريراً فى مستشفى كما يوفر استخدام الدعم المتاح من القمح والتموين والبنزين والكهرباء والمياة وغير مما تدعى الحكومة أنها تدعمه.
احصاءات البورصة الرسمية تشير إلى أن أكثر من 10% من الإستثمارات المباشرة تعود لمصريين بالخارج كما أن النسبة تتزايد فى صناديق الإدخار  وشركات التأمين أضف إلى ذلك القوة الشرائية للمصريين بالخارج وذوييهم بمصر التي لا يستهان بها فهى تمثل رواجاً شديداً فى سوق العقارات وفى المدارس والجامعات الخاصة وفى الأندية وغيره من القطاعات.
كما أن موسم الصيف يشهد رواجاً هائلاً فى قطاعات عدة مثل السياحة والفندقة وقطاع التجزئة والقطاع الطبي نتيجة قضاء المصريين للإجازات فى مصر وهم يقضون هذه الفترة البسيطة كسائحين لا تقل نفقاتهم بأى حال عن نفقات أى أجنبى آخر يزور مصر.
صورة أخرى من المساهمات غير المباشرة هى لفئة معينة من الصفوة المصرية بالخارج مثل الأطباء أو أساتذة الجامعات وموظفي الشركات هى اختيارهم لشركة الطيران المصرية كترانزيت لسفراتهم عندما تكون وجهتهم لأحد دول أوروبا أو أمريكا وغيره من الأشياء التى لا يتسع المجال لذكرها هنا.

لعل ما سبق يجعل الدولة والشعب أن يضعوا أولوية خاصة لهذه الفئة من المصريين وأن تحوييهم وتعمل على إستثمارهم بالشكل الجيد حتى تكون العلاقة بين مصر وأبنائها بالخارج علاقة مكسب لكلا الطرفين لا أن تكون استنزافاً من الحكومة وابتزازاً من الشعب لمواطن يعمل بالخليج كما هو الحال منذ سنواتٍ مضت.

كما أن الأحداث المتواترة الأخيرة فى مصر تجعلنا أكثر قلقاً على هذه العلاقة أكثر من أى وقتٍ سبق، بل أن الواقع الحالى بالبلد قد يأتى كليةً على هذه العلاقة ويدفع المصريين بالخارج إلى الإنفصال المؤقت عن مصر حتى تستوى الأمور وتتحسن، إن الإقتصاد المنكمش ولجوء الدولة إلى الإحتياطي النقدى يجعل المصرى يفكر ألف مرة قبل أن يرسل أمواله التى يحصل عليها بالكد والغربة وتجعله يلجأ إلى وعاءً إدخارياً أفضل وأكثر أماناً وكما أشرت قبل فالبدائل موجودة.
كما أن تعطيل عجلة الإنتاج وتصاعد وتيرة الوقفات الفئوية يؤثر سلباً على تلك التحويلات. وأيضاً عدم وضوح معالم المستقبل السياسى فى الأفق له الأثر السلبى نفسه.
الشئ الآخر البالغ الخطورة هو الإنفلات الأمني وفوضى الطائفية الذى يحول بين المصريين وبين قضاء إجازتهم فى مصر وهو ما يمثل الضرية القاسمة للإقتصاد المصرى هذا العام حيث أن المصريين بالخارج هم المتنفس هذا العام.
 لذلك أقولها صراحة ... إذا كانت هناك أسباباً أدت إلى طرد أو أحجام المستثمر الأجنبى من الإستثمار فى مصر مثل عدم الإستقرار وتدخل القضاء لنقض العقود المبرمة سابقاً والتشهير الإعلامى ببعض المستثمرين (وإن كان هذا يحتاج إلى مقال ثانٍ) فلا داعى أن نخسر أيضاً أبنائنا بالخارج.

وبما أن زمن مبارك قد ولى ودن رجعة إنشاء الله وتولت إدارة البلاد من نحسبهم يسمعون لأبنائهم وهو ما نتلمسه جميعاً، فإن على الحكومة المصرية اتخاذ بعض الخطوات الهامة للحفاظ على هؤلاء المصريين المغتربين ومنها مثلاً

-          فتح قنوات التواصل الفعال مع المصريين بالخارج سواءً كان من خلال السفارات والقنصليات أو عن طريق بوابة إلكترونية لوزارات الخارجية والقوى العاملة والإقتصاد
-          الحق فى الإنتخابات والتصويت داخل مقار السفارات والقنصليات بالخارج
-          تسهيلات جمركية فى منافذ الموانئ كما يجب
-    وضع قانون خاص للإعفاءات جمركية للمصريين العائدين بصفة نهائية أو لا قدر الله فى حالة الوفاة
- تنشيط المعاملات الإليكترونية مثل تجديد تصاريح العمل من خلال الإنترنت وغيره من الخدمات الحكومية الأخرى
-          استقطاع مبلغ شهري أو سنوى مقابل التأمينات الإجتماعية والطبية للمغترب وأسرته (الإختيارية)
أخيراً ... مررت بحادث شخصي أود أن أختم به مقالى عندما زار منزلى موظف التعداد السكانى ودعوته إلى الدخول فوجد علماً لمصر معلقاً على الحائط فقال لى أنه ما من مصرى دخل بيته إلا ووجد عنده علم مصر فلم أجد رداً أرد به عليه أبلغ من قول البابا شنودة "إن مصر ليست بلداً نعيش فيه وإنما هى وطنٌ يعيشُ فينا"

هشام صبرى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق